أشهر قليلة وتبدأ المؤسسات المالية فى سويسرا فى جمع البيانات الضريبية المتعلقة ببعض العملاء، تمهيدا لتنفيذ التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية، بجانب جمع عوائد الأسهم والسندات وغيرها من الأوراق المالية الخاصة ببعض العملاء الأجانب استعدادا لنقلها الى حكوماتهم فى بداية عام 2018.

العمل بالقانون أخذ صبغة تشريعية متقدمة، خاصة بعد صادقت السلطة التشريعية بمجلسيها، النواب والشيوخ، على اتفاق متعدد الأطراف بين السلطات المختصة، فضلا عن إعادة النظر في الاتفاق بشأن فرض الضرائب على المدخرات مع بلدان الاتحاد الأوروبي، كما اعتمدت السلطة التشريعية قانونا شاملا يُجسّد هذه الاتفاقات؛ لكن أيا من هذه النصوص لم تخضع، أو أريد لها ألا تخضع للاستفتاء. ولم يبق سوى وضع الصيغة النهائية لنظام إنفاذ القانون، وكذلك التوجيهات الصادرة عن الإدارة الاتحادية للضرائب، وقد ظهرت بالفعل مشاريع في هذا الصدد.

مدير رابطة المصارف السويسرية الخاصة “لانجلو” قال متسائلا : “هل تعرف المؤسسات المالية ما ينبغي لها أن تفعل، ولكن ليس لأي بلد، يعني لأي من العملاء”.

هناك ما هو يقين تقريبا، أن جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستكون معنية بالتبادل التلقائي للمعلومات، إذ من المفترض أساسا أن تكون هذه البلدان قد بدأت جمع البيانات الضريبية عن بعضها البعض منذ 1 يناير الماضى، “كانون الثاني” باستثناء النمسا، التي ستبدأ في نفس الوقت مع سويسرا في عام 2017.
ووقعت سويسرا اتفاقات ومذكرات تفاهم مشتركة مع أستراليا، اليابان، كوريا الجنوبية، ولاية جيرسي “الولايات المتحدة”، جيرنسي “جزيرة في بحر المانش تابعة للتاج البريطاني”، آيلاند أوف مان “جزيرة في بحر إيرلندا تابعة للتاج البريطاني”، أيسلندا، النرويج وكندا، وتقوم السلطة التشريعية حاليا في إعداد تشريعات تسمح للحكومة بإضافة هذه البلدان إلى قائمة شركائها في التبادل التلقائي، وهنا ينبغي لسويسرا أن ترسل القائمة إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

” لانجلو” شدد على أن “المعاملة بالمثل أمر مطلوب”، قائلا “يجب أن نتذكر أن التبادل الآلي يصبح فعالا فقط عندما يتبادل بلدان، بعضهما البعض القوائم التي يعالجونها عبر منظمة التعاون والتنمية. لكن أي بلد لم يرسل حتى الآن أي قائمة، لأن كل واحد في انتظار اللحظة الأخيرة قبل الكشف عن أوراقه”.

ما يتعلق بالبلدان التي وعدت المشاركة في تقاسم بيانات عام 2016 في عام 2017، فإن لحظة هذه المشاركة ستحين في وقت لاحق، أو في آخر سبتمبر عام 2017، وهو الموعد النهائي المضروب لسلطات الضرائب الوطنية لإرسال البيانات التي ستقوم المؤسسات المالية بإرسالها إلى هيئات الضرائب في بلدانها، التي تقوم بدورها بإرسالها إلى نظيراتها في الدول الشريكة. ولهذا الإجراء جانب نفسي أصرت عليه سويسرا، كي لا تظهر المصارف بأنها تكشف عن حسابات عملائها لدول أخرى، بل هي تقدمها لهيئة ضريبية داخل البلاد.

وأضاف، لانجلو “ينبغي ألا ننسى أيضا أن سويسرا هي الدولة الوحيدة التي وافقت على كل شريك يتم التبادل التلقائي للمعلومات معه عن طريق السلطة التشريعية”. وعن مغزى هذا الإجراء؟ قال “إنها عملية ديمقراطية وشرعية، تعني أن سويسرا لا تستطيع أن تقرر بين ليلة وضحاها إضافة بلد جديد إلى قائمتها للدول الشريكة في التبادل التلقائي للمعلومات”. وهكذا، الأمر ينطبق على الدول الأخرى غير الواردة في قائمة الشركاء التسعة علاوة على دول الاتحاد الأوربي الـ 28.

بطبيعة الحال، لم يعد ممكنا إجراء استفتاء ضد هذه الخيارات منذ أواخر مايو الماضي عندما نص تشريع على ذلك، والتبادل الآلي قد يبدأ في عام 2018، وهو أقرب وقت ممكن، لكن البدء بنقل البيانات سيتم في عام 2019.

وأضاف “لانجلو”، إن التبادل الآلي هو معيار دولي ينبغي أن يُطبَّق في كل مكان وفي وقت واحد، وإلا فسيكون من السهل جداً على عملاء المصارف الهرب بسرعة من هذا المركز المالي لذاك”، وفي الواقع، كان هذا هو الهمّ الأكبر لسويسرا عند صياغة أحكام التبادل التلقائي في مقر منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في باريس منذ أربع سنوات، وكانت العبارة “الخالدة” التي كررتها سويسرا في العشرات من اجتماعات المنظمة “نريد ملعباً مستوياً” لتحقيق التكافؤ بين الدول، ولا سيما بين المراكز المالية الرئيسة.

لكن إذا كانت سويسرا قد نالت “ملعبا مستويا”، إلا أن هناك لاعبا في الملعب ليس مريحا لها اسمه، الولايات المتحدة، ولهذا السبب من الصعب أن تُعرف على وجه اليقين ما هي البلدان التي سترسل سويسرا لها البيانات الضريبية في عام 2018.

في المقابل، ما هو مؤكَّد، أن الولايات المتحدة لن تشارك في المعايير التي وضعتها منظمة التعاون والتنمية وهي مصرة على تطبيق مبادئ قانونها الشهير باسم “فاتكا” “قانون الامتثال الضريبي للحسابات الأجنبية” الذي أصدرته ردا على اكتشاف فضيحة مصرف، يو بي أس، السويسري عام 2007 باستقباله أموال أثرياء هاربة من الضرائب.

يكاد قانون “فاتكا” ألا يعرف شيئا عن مبدأ “المعاملة على قدم المساواة”، أو حتى مبدأ “المعاملة بالمثل”، ولا بالكيانات القانونية. لذلك لم يتم إدراج الولايات المتحدة ضمن قائمة شركاء سويسرا في التبادل التلقائي لصعوبة اعتبارها شريكا قانونيا مكافئا حسب القوانين المعمول بها، خصوصا أن الولايات المتحدة لم تُظهر أي استعداد لتغيير تطبيقات قانون “فاتكا”، الذي لا ينص إطلاقا على “المعاملة بالمثل”.

مجهول آخر أيضا يتعلق بنوعية البيانات التي ستتلقاها سويسرا من الخارج للمرة الأولى بين يونيو وسبتمبر عام 2018، ستعتمد هذه على نوعية المعلومات التي تجمعها المؤسسات المالية الأجنبية. وهناك شكوك أبداها برلمانيون ومصرفيون، مرارا وتكرارا، حول دقة هذه البيانات حتى داخل بعض دول الاتحاد الأوروبي.

يقول عديد من البرلمانيين في النقاشات “إن هناك كثيرا من التعقيدات في المعايير التي وضعتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لا يُمكن إدراكها قبل التطبيق”. يشير هؤلاء إلى أن المعايير واسعة إلى حد أن كل دولة ستتلقى كمية هائلة من البيانات التي ينبغي إخضاعها للتحقق لمعرفة ما إذا كانت إيرادات حساب مصرفي ما خاضعة في الواقع للضريبة التي يخضع لها المواطن السويسري أم لا؟ وما هو وضع الحساب الخاضع للوصاية، أو لحماية وصي، التي لا تخضع للضريبة إلا في جزء إيراداتها، وما هو وضع حامل أسهم شركة لا يخضع لضريبة الدخل إذا لم يسحب الأرباح.